الجماعة في الإسلام -التي أمر الله تبارك وتعالى بها- لها معنيان مهما كثرت الأحاديث {
عليكم بالجماعة}... أو {
فالزم جماعة المسلمين وإمامهم}.
المعنى الأول:
الاجتماع على الحق ولزوم السنة، فإذا خرج أي إنسان عن السنة فقد خرج عن الجماعة، وهذا الذي سوف نوضحه إن شاء الله بالتفصيل في مبحث الجماعة، ومن الأدلة عليه قوله صلى الله عليه وسلم: {
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثّيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة}. المفارق للجماعة: فارق جماعة المسلمين، أي فارق الحق وفارق الإجماع وخرج من الدين.
وأوضح صورة من صور الخروج عن الجماعة هي الخروج من الدين والخروج من الملة، فتارك الدين المرتد فارق الجماعة من جميع الوجوه، وأهل البدع فارقوا الجماعة أي فارقوا السنة إلى البدعة وإن بقي بعضهم من أهل القبلة على الاختلاف بينهم كما سنذكر إن شاء الله.
والمعنى الآخر للجماعة:
هو اجتماع المسلمين على طاعة إمام حق، ونقيضها الخروج على الإمام الحق الذي اجتمعت عليه الأمة، فمن خرج عليه فيطلق عليه: أنه خارج، والفئة التي خرجت يطلق عليها أنها خارجة، وتجمع على خوارج، وفي الأصل الخوارج هم الذين خرجوا في زمن علي رضي الله تعالى عنه بعد حادثة التحكيم يوم صفين، وقالوا: حكَّم علي الرجال في دين الله، وهؤلاء كانوا شباباً أحداث السن مشغوفون بالعبادة والزهد والتطلع إلى الآخرة، ولكن كان لديهم من ضيق الأفق والنظرة السطحية ومن الحنق والاندفاع والثورة العمياء ما لم يكن في الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، بل هي بعيدة عنهم وعن منهج النبي صلى الله عليه وسلم، وعن منهج السنة وأهلها، ذلك المنهج الرحب الواسع الذي يقبل تعدد الرأي ووجهات النظر والشورى ولكن في حدود ما قرره الشرع، أما هؤلاء فلا يعرفون إلاَّ أمراً واحداً ورأياً واحداً، كما سنعرف ذلك من خلال أخبارهم وأحوالهم.
كانوا في أول الأمر من أشد الناس وقوفاً مع علي رضي الله تعالى عنه، ويرون أنه على الحق مطلقاً، فلما قبل التحكيم قالوا: حكّم الرجال في دين الله، إذاً كفر؛ فكفروا علياً رضي الله تعالى عنه، وخرجوا عليه وفارقوا الجماعة، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف هذه الفرقة ودل عليها وذكر صفاتها، حتى كأن الإنسان يراها، ولهذا بعد معركة النهروان وبعد أن ناظرهم عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، ورجع منهم من رجع وبقي منهم من بقي، وقاتلهم علي رضي الله تعالى عنه، وقال: [[ابحثوا عن صاحب الثدية -تصغير ثدي- فبحثوا عنه فلم يجدوه، فقالوا: ما وجدناه، فقال لهم: والله ما كَذبت ولا كُذبت -يعني: والله! ما كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كُذبت أي لا يمكن أن يكذب عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- فابحثوا عنه -وقيل: إن اسمه حرقوص بن زهير، فبحثوا عنه فوجدوه في ساقية تحت القتلى، فاستخرجوه وفي عضده مثل الثدي، فقالوا: هذا صاحب الثدية]] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر علياً بأنه سيقاتلهم وأن هذا هو حالهم وشأنهم وأن منهم أو من قادتهم رجلٌ يسمى ذا الثدية …